أسرار السعادة الزوجية (6)

السكتة الزواجية !!

د. مجدى أسحق

هل قرأت ذات يوم فى الجرائد عن وفاة أحد الأشخاص بالسكتة القلبية؟ هذه السكتة تصيب سنوياً حوالى 325000 فرد فى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بنسبة 1 %.

لكن هناك على المقابل فى العائلات ما نسميه ” بالسكتة الزواجية” هناك عائلات بأكملها دخلت فيما نسميه ” الطلاق الصامت “، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 60 مليون حالة طلاق رسمى موجودة بالولايات المتحدة بنسبة 24% من كل حالات الزواج .. ولكن هناك ملايين لا تحصى تعانى من طلاق غير رسمى، لسبب أو لآخر، أسمه الطلاق الصامت. فهناك حالات لم تصل للمحاكم الرسمية لاعتبارات كثيرة : دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عائلية .. وتقدر بعض المصادر هذه الحالات بـ 70% .

الزوج الكسلان

حدثنا السيد المسيح فى مثل الوزنات عن العبد الكسلان، الذى عوضاً عن استثمار وزناته، ” مضى وطمرها فى التراب ” (مت25 : 24 ، 30). وهكذا فقد العبد كل ماله ومضى إلى الظلمة الخارجية .. بالمثل كل زوج أو زوجة أصابه الكسل والتراخى فى عائلته .. فالذى يدفن مهارته وطاقاته، يفقد كل ماله .. وكيف يحدث هذا؟

يضع علماء النفس علامات ثابتة محددة لهذه الحالة :

1 – عندما يتجنب شريك الحياة كل اتصال وحوار وتفاعل .. حينئذ يعانى الطرف الآخر من الوحدة أو ينطلق متألماً باحثاً عن احتياجاته غير المشبعة

2 – عندما يتجنب أحد الطرفين اظهار الحب والاهتمام، ويحرم الآخر من الحب النفسى أو الحسى فيجبره على المعاناة والحرمان.

3 – عندما تفقد القرارات المشتركة مكانها، ويحيا كل طرف فى دائرته الخاصة، دون أن يطلب من الآخر أى رأى أو حوار.

4 – عندما تنمو الذكريات الأليمة والتحاملات داخل النفوس إذ يحيا كل طرف فى الماضى المملوء بالجراح والمواقف المحزنة.

5 – عندما يتجنب كل طرف لقاء العيون. ويكون رد الفعل هو موقف من ثلاثة :

  • تجميد العلاقات : حيث يحاول الطرفان الحفاظ على الشكل الأجتماعى، سعياً لإبقاء الصورة العائلية فى صورتها المقبولة

  • الاتجاه للانفصال : بالذات عندما يفقد الاحترام، وتككثر، المشاجرات وتتوالى التدخلات من الأطراف المتنوعة بلا فائدة.

  • البحث عن المساعدة : هنا يبحث شريكى الحياة عن شفاء للعلاقة الجريحة، وبناء لعلاقة زواجية ناجحة.

والآن .. تعرف كيف تبدأ السكتة الزواجية؟ إنها تبدأ عادة من التوافه والصغائر، وليس من الكبائر.

لاشك أن هناك عواصف عاتية تؤدى بحياة الركاب، وتحطم أعتى السفن .. لكن ثقب صغير فى السفينة يؤدى إلى نفس النتيجة ولو على المدى البعيد .. والسؤال كم عاصفة تتعرض لها السفينة، وكم ثقب يوجد فى قاعها؟ العواصف موسمية، وعادة يتنبه لها الربان، ويعرفها مقدماً، ويجهز كل الاستعدادات لمواجهة هذه الرياح العاصفة .. لكن الثقوب لا يتنبه لها أحد، وفى غفلة من شريكى الحياة، تتسرب المياه ببطء وتؤدى إلى غرق السفينة التدريجى ..

بالمثل قد تؤدى القنابل العاتية إلى هدم المنازل فى الحروب، لكن قطرات مياه تنساب تحت أساس المنزل تؤدى إلى نفس النتيجة !! لذلك يذكر لنا الوحى قصة الثعالب الصغار المفسدة للكروم (نشى 2 : 15) ففساد الكروم لا يحتاج إلى الغزاة أو اللصوص أو الحرائق أو السيول .. يكفى ثعلب صغير يدخل لياخذ قطمات صغيرة من كل عنقود .. حينئذ يفسد المحصول كله بالتدريج !! إننا غالباً ما نواجه كوارث الحياة وأحداثها فى شجاعة، وصبر واحتمال، ثم ندع بعد ذلك التوافه تغلبنا.

+ فقد صرح جوزيف سابات وهو من أشهر قضاة شيكاغو بعد أن فصل فى اكثر من أربعين ألف حالة طلاق ” انك لتجدن التوافه دائماً وراء كل شقاء يصيب الأزواج “

+ وقال فرانك هوجان النائب العام فى نيويورك ” إن نصف القضايا التى تعرض على محاكم الجنايات تقوم على أسباب تافهة

كجدال ينشب بين أفراد عائلة، أو إهانة عابرة، أو كلمة جارحة، أو إشارة نابية .. أمثال هذه الأسباب التافهه هى التى تؤدى إلى جرائم القتل. إن القلة تحمل قلباً قاسياً. ولكن توالى الضربات الواهنة الموجة إلى ذواتنا وكبريائنا وكرامتنا هو الذى يسبب نصف ما يعانيه العالم من مشكلاتنا “.

القانون .. والتوافه

إذا أراد الإنسان السلام والطمأنينة، فعليه أن لا يشغل نفسه بالتوافه فهناك حكمة قديمة تقول ” أن القانون لا يشغل نفسه بالتوافه ” !! ذلك لأن الصغائر غير المهمة قد تأخذ بمجرى الأحداث بعيداً عن مواطن الأهمية والاعتبار ” !!

دعنى أقص عليك قصة، أوضح بها هذا المعنى الهام .. فقد حدث ذات يوم أن دعيت لتناول الطعام فى منزل احد الأصدقاء خارج مصر .. وأثناء تناول الطعام، قام الزوج بتقديم قطع من اللحم لك ضيف وقد قام يتقطيعها إلى قطع صغيرة “غير متساوية” .. خطأ لم يلاحظه أحد على الإطلاق، ولو لاحظه أحد لما صدر منه أى تعليق .. فهل تعلم ماذا حدث؟؟ لقد صرخت زوجته بصوت جهورى ” انظر ماذا فعلت إنك لاتجيد تقطيع اللحم أبداً !! ” ثم التفت إلى جموع المدعويـن بابتسـامة ساخرة ” إنه يخطئ دائماً، ومشكلته انه لا يحاول إصلاح خطئه أبداً” !!   وقد يكون هذا الزوج قد أخطأ فعلاً إذ لم يهتم بقياس هندسى متقن لقطع اللحم، لتكون متساوية الأضلاع !! ولكننى أحترمته فى قلبى كل الأحترام .. فقد أستطاع أن يتعايش مع هذه الزوجة خمسة عشر عاماً !! وإننى للحق، أفضل أن أتناول وجبة من الخبز الناشف والملح فى جو من الهناء على أن أتناول صنوف الطعام الفاخر واستمع فى نفس الوقت لهذا العزف المنفرد من النقد والأهانة أمام الناس !! ومنذ هذه “الحادثة” الزواجية قررت أن أدعو كل الأزواج والزوجات إلى تجنب الزوايا الحادة، وتوافه المواقف، وصغائر الأحداث، حفاظاً على سلام العائلات وهنائها.

 

 

قصص لا تنتهى

الكتاب المقدس يحفل بقصص كثيرة عن مشاكل ضخمة بدأت من توافه الأمور.

+ لقد هجر داود زوجته ميكال ورفض أن ينجب منها أولاد لأن زوجته غير الحكيمة قالت عنه سَفّيه .. كلمات صغيرة هدمت عائلة الملك .. ربما خرجت هذه الكلمة الصغيرة عفواً أو قصداً، ولكن النهاية القاسية حدثت .. زوجان ملك وملكة، هُدمت حياتهما الزوجية بسبب كلمة جارحة لحظة غضب وإنفعال !!